باتت الجامعة في الجزائر و الالتحاق بالحرم الجامعي هما أسمى الأحلام التي تراود طلاب العلم منذ وطأتهم الثانوية، إن لم نقل أنه برنامج منذ سنوات التعليم الابتدائي حيث يسعى كل من الطالب و الطالبة على حد سواء لفعل المستحيل ليكون اسمه ضمن قائمة الناجحين بغض النظر تماما عن طموحاته .
ياتي النجاح بعد عناء شديد و ها هو الآن بالجامعة داخل حرمها و لكن يصدم كلا الجنسين بواقع جديد لم يعهد له مثيل،خاصة الفئة التي تلتحق بالجامعات في إحدى الولايات الكبرى قادمة من ولايات ذات تصنيف اقل ، وتشهد نموا اجتماعي و اقتصادي و حتى ثقافي بوتيرة ضعيفة على غرار هذه الولايات المستقطبة ، ليواجه الطالب أو الطالبة على حد سواء مشكلة الحفاظ على إيديولوجيته و ثقافته وحتى لهجته أمام الوضع الراهن و الواقع في هذه المدن الجامعية ، هنا يكون لهذا الطالب طريقين إما أن يتمسك بعاداته من لباس و كلام و تفكير و معاملة و إما تعليق كل هذا إلى إشعار آخر فينسلخ من جلدته و يغير من واقعه فترى مثلا الشاب القادم من الولايات الداخلية و الجنوبية يسعى إلى تقليد كل جديد تقع عليه عينه ، وتترك الفتاة كذلك ما عهدته في مسقط رأسها لتقلد غيرها في الحرم الجامعي في كل شيء خاصة طريقة اللباس ، فالكثير منهن تظن عبثا أن المدن الكبرى هي المواكبة للعصرنة والثقافات و أنه من المفروض عليهن التقليد و إلا مواجهة الاستهزاء بهن و بالعادات التي قدمن بها من محل إقامتهن ،مهما كانت تحمل من سمات الخير و الطيبة أو كونها موروث ثقافي لهن.
بغض النظر عن الساعات التي يقضيها الطالب في الحرم الجامعي إلا أن المشكلة العظمى و الصراع الثقافي و الاديولوجي الحقيقي يقع داخل المدن الجامعية أو بمفهوم آخر داخل الاقامات الجامعية , هناك حيث يكون الطالب مجبرا على تقاسم مكان نومه مع طالب أو اثنين أو أكثر , فإما أن يفرض نفسه و وجوده على البقية و يطبق قانونه الخاص الذي عهده أو يلزم عليه قانون الآخرين في وقت النوم و في أعمال التنظيف….، فيحرم بذلك جبرا من بعض الحريات كالاستماع إلى الموسيقى الحرة و النوم متأخرا أو طريقة النوم خاصته و لتجاوزه هذه العقبة يسعى المقيم إلى مشاركة غرفته بأحد أبناء ولايته ممن يشاركه نفس الايدولوجية و الثقافة , حتى يضمن بذلك الحفاظ على نمط عيشه السابق , ولا يخفى علينا أن أكثر المشاكل التي تحصل في الحرم و المدن الجامعية سببها الأول هو الاختلاف الثقافي و العرقي بين الطلبة أو الانتصار للقبيلة و للولاية من طرف هؤلاء ، خارج الغرفة أيضا و بالتحديد في مختلف المنشئات و المرافق داخل المدن الجامعية نجد انتصارا ثان للعرق و الثقافات المختلفة فليس من الغريب ملاحظة أن كل الفعاليات الرياضية لا تضم تنوع في الطلبة المشاركين و حتى في المقهى و قاعات السينما .
كما يوجد الطلبة الإسلاميين و الإخوان الذين ينشطون بكثافة لاستقطاب الشباب من خلال توفير لهم فرص الاندماج في الجامعة من خلال إنشاء مجموعات صداقة قوية تبدأ من المصلى و الجمعيات ذات الطابع الخيري و الإسلامي . حيث يساعد بعضهم البعض في الدراسة و اقتسام الغرف و المعيشة،و يعملون على نشر منهجهم بين الطلبة و الطالبات ، دون الانتقاد المباشر أو العلني للمحيط الذي يعيشون فيه ولا ينظمون للجمعيات الأخرى حيث يبدون أرائهم و أفكارهم إلا في اللقاءات الضيقة فيما بينهم .ناهيك عن سلوكات بعضهم المتمثلة في عدم الاختلاط و اللباس الخاص بهم و الدعوة إلى عدم مشاهدة التلفاز و العديد من التصرفات و المعاملات التي تطرح وجهة نظرهم الدينية بطريقة تكون غالبا متشددة و بأسلوب متطرف ينتج عنه الانقسام و الفتنة .
من جانب أخر نجد طلبة المنظمات و الاتحادات التي تعمل جاهدة لحل مشاكل الطلبة و العمل على توفير المناخ المناسب لسير مشوارهم الجامعي و طرح مشاكلهم للوزارات و المسؤولين ،لكنها غالبا تكون في حالة نزاع بسبب الرئاسة و توزيع المهام و تمثيل الطلاب فيضيع هذا الأخير و تضيع معه الأهداف التي أنشئت لأجلها مثل هذه المؤسسات، بسبب طموحات سياسية و شخصية،فأصبحت تنظيمات ذات شعارات لا أكثر و لا أقل .
كل هذا في ظل غياب سلطة رقابية تمثلها الدولة و الإدارة، التي يجب أن تسهر على تطبيق القانون الداخلي سواء في الحرم الجامعي أو المدن الجامعية بالإضافة لتهميشها للطلبة و هو نفس الشئ بالنسبة لمن يدعي حماية الطالب من منظمات أو جمعيات ،فلو طبق هذا القانون لنال كل حقه مهما كان جنسه أو إيديولوجيته و مذهبه ،عرقه أو ولايته.
زياري سماعيل
أضف تعليقاً