إن للإنسان الحق في العيش بكرامة و حرية وفقا لما تنص عليه المادة الأولى من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان ” يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعاملُ بعضهم بعضاً بروح الإخاء”،و انه لا مكان للظلم و الاستبداد.
و تتفق جميع الدول و الأمم أن الرقي الاجتماعي و التقدم ينبع بإيمانها بحقوق الإنسان الأساسية، أفراد و جماعات ،و عليها التعهد و الوفاء بإخلاص لاحترامها و استعمال كل السبل من هيئات و مؤسسات و جمعيات لضمانها و الاعتراف بها دوليا و نشرها عبر جميع بقاع المعمورة .
لكل شخص منا الحق في الحصول على الحماية ،العمل،التعليم،الصحة،السكن،و كل ما يضمن لنا العيش الكريم فهو أصل ثابت في جميع البشر ، مهما كانت جنسيتهم ،عرقهم ، جنسهم، لونهم ، دينهم، لغتهم ،أو أي صفة تميزهم عن بعضهم ، بقدر ثابت من العدل و المساواة التي تعتبر جزءا مهماً لتكوين هذا المفهوم “حقوق الإنسان”.
و أنا أجلس مع مجموعة من أصدقائي في حديقة المدينة نتناقش ،أخبرتهم بأنني بعد إنهاء الدراسة أريد السفر إلى فرنسا و الاستقرار بها ،في محاولة مني لرؤية ردود أفعالهم ،و كانت النتيجة أن أغلبهم يعارض هذه الفكرة ، وفقا لأراء و اعتمادا على براهين ، التي كان أغلبها يحتج بنظرة تاريخية كونا فرنسا كانت دولة مستعمرة للجزائر و يمكن اعتبار هذا ضمنيا خيانة للوطن أو بعض الوجهات التي ترى أنني أحب الذهاب من اجل عيش الترف و اللهو ،أنا حقيقة لا أعارض وجهات نظرهم و احترمها لكن لا أوافقهم كليا.
فعلا كانت الجزائر تحت وطأت الاستعمار الفرنسي لأزيد من قرن ،طمست فيه الهوية و نهبت الثروات و انتشر بفعله الفقر و الجهل و نتج عنه الدمار و الخراب .
و أما اللهو و الترف فأنا إنسان و من حقي آن أعيش حياتي، و هنا يكمن جوهر الاختلاف بهذا المصطلح”الإنسان” .
ذهابي لفرنسا ليس من اجل خيانة وطني فنحن اليوم دولة مستقلة ذات سيادة و انتهت قصة الاحتلال و الفضل للشهداء الأبرار و تضحيات الرجال و كذلك الثورة المجيدة التي ننهل منها العبر و لسنا بحاجة للنظر ورائنا ، بل علينا المضي قدما للبناء و التقدم، ليس أيضا من اجل البحث عن المرح و المادة الفانية،فما يوجد في الجزائر من وسائل للمتعة لا يختلف كثيرا عما يوجد في فرنسا اللهم الفرق في الأسعار و درجة التطور .
ما أبحث عنه فعلا هو قيمة الإنسان هناك .
فأنا أهرب من واقع لواقع أخر و لكي تتضح وجهة نظري فلنقم بهذه المقارنة البسيطة بين بعض القطاعات التي تتعامل مع الإنسان كمواطن في الدولتين و لنختر على سبيل الذكر لا الحصر مجالات الصحة ،التعليم و العمل .
في الجزائر زوجتي المستقبلية عندما تضع حملها يجب عليها أن تنام في سرير واحد مع ثلاثة إلى أربعة نساء، و أن يُضع صغيري في سرير واحد مع أربعة رضع أيضا، هذا دون الكلام عن الانعدام التام للنظافة والانتشار الواسع للقمامة والحشرات وأنواع الأمراض و البكتيريا ما يهدد صحة الأم والطفل في آن واحد .
في فرنسا زوجتي المستقبلية ستضع طفلنا في غرفة مع نساء أخريات كل في سريره مع العناية المستمرة للأطباء و القابلات و المتابعة الدورية لحالة الرضع في جو من النظافة الإجبارية التامة و مع الموسيقى الهادئة .
في الجزائر ابني الصغير عندما يكبر و يلتحق بالدراسة سيجلس في طاولة لشخصين في قسم بارد شتاءا حار صيفا تقريبا كمناخ البحر المتوسط ،يحمل معه يوميا في محفظته أطنان من الأدوات و القراطيس و الكتب الخالية من القيمة العلمية ،تقدم له وجبات رديئة خالية من كل قيمة غذائية ،و الناتج انهيار للعقل و الجسم .
في فرنسا فلذة كبدي لما يبدأ تحصيله العلمي سيدرس و يتربى في قاعة يجلس فيها في طاولة و مقعد لوحده ، حجرة مجهزة بنظامي التدفئة و التبريد ،يصطحب معه محفظة صغيرة يكفيها بعد الكتب و الكراسات ،التي يعوضهما جهاز كمبيوتر ،تقدم له في المطعم المدرسي أطباق غنية بالسعرات الحرارية التي تبني عضلاته و تقوي عقله لتحصيل دراسي ناجح .
في الجزائر بعد عناء طويل و جهد مرير يكمل ولدي دراسته الجامعية و يتحصل على الشهادة “التأشيرة السحرية” لوجود عمل أو إذا صح القول البطالة فجامعاتنا تقوم بتكديس المهندسين و الأطباء و المحامين لانعدام التنسيق بينها و بين سوق العمل ما يجعل طلبه يتزاحم مع باقي الملفات في وكالات التشغيل لسنوات دون رد ما يجعله فاقدا الأمل في الحصول على وظيفة و التفكير في الهروب بعيدا ….
في فرنسا ينهي ولدي مشواره الجامعي بعد أن اختار اختصاص يتوافق مع متطلبات سوق الشغل يعني أن منصب عمله في انتظاره و يباشر وظيفته و هو كله أمل و سعادة لخدمة وطنه الذي رعاه و حماه .
لا أنفي بأنه في فرنسا لا يوجد عيوب و نقائص فهي كباقي الدول تعاني من مشاكل و أزمات اقتصادية و بطالة ،و كذلك الجزائر لكن الفرق شاسع في الحالتين، و ما وصفته عن الوضع في الجزائر في هذه القطاعات هو غيض من فيض.
جوهر الاختلاف بيننا أنه عندهم –فرنسا- المواطن يعامل كإنسان له الحق في العيش بأمان و من واجب الدولة أن تحافظ على جسده و عقله ،أن تجعل الثقة بينها و بين رعاياها مرتفعة ، ما يقوي الصلة و يؤدي إلى الاشتراك و التعاون في تطور البلد و تقدمه ،الحق في الحصول على فرصة متزنة لتنمية جودة الحياة التي يعيشها بما يُوفر له من متطلبات و خدمات عامة ،لكي ينال موقع اجتماعيا و مهمة وفقا لقدراته و كفاءته .
أضف تعليقاً